ذكر الله تعالى:
يقولُ الله -عز وجل-: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا" [الأحزاب:41]، ويقول النبيُّ الكريم -عليه الصلاة والسلام-: "أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ، ذِكْرُ اللَّهِ" [رواه أبو الدرداء]، وقد اتّفق العلماء على أنّ ذكر الله تعالى يكون بالقلبِ أوّلًا، والاعتقاد الجازم بربوبيَّته ووحدانيَّته وكمال صفاته وأسمائه وأفعاله، وحبِّه حبًّا خالصًا ينعكس على أفعال عبيده وأخلاقهم، وقد وردت عن النبي الكريم صِيَغ كثيرة لذكر الله تعالى، كصيغ التهليل والتكبير والتحميد والتسبيح.
1-التهليل:
التهليل هو أصل التوحيد في صياغته ولفظه، ولا بُدّ أن يجتمع في المسلم أمران هما: التهليل لفظًا والهمّ بأفعالٍ توافق لفظ التهليل والتوحيد وعدم الإشراك ثانيًا، أيّ مَن نطق بها -التهليل- وهو عارف لمعناها، وعاملًا بأصلها ومقتضاها في ظاهره وباطنه، مُتيّقنًا من مدلولها علمًا ويقينًا والعمل.
والتهليل هو قول: "لا إله إلّا الله"، والتي معناها لا أحد معبودٌ بحقّ إلا الله -عز وجل-، وهذه الكلمة هي مفتاح الجنّة بلفظها واعتقادها، فلا يصحُّ مفهوم التهليل دون أن يستقر بالقلبِ أوّلًا من محبة وخشية وتوّكّل، ولا يصح دون عمل كالسجود والقُربات والذبح لغير الله، وليس من المُنصف قول أنّ التهليل "لا إله إلّا الله" تعني فقط إقرار قائلها بأنّ لا خالق إلّا الله، لأنّ المشركين كانوا معتقدين بأنّ لا خالق إلّا الله ومعتقدين اعتقادًا جازمًا بتفرّده بخَلق الخَلق، إلّا أنّهم لم يؤمنوا بِـ "لا إله إلا الله" من ناحية تفرّده بالعبادة، وأقاموا على إثر ذلك الحروب على الإسلام والمسلمين.
وقد وردَ عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في فضل التهليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ عَلَى إِثْرِ الْمَغْرِبِ بَعَثَ اللَّهُ لَهُ مَسْلَحَةً يَحْفَظُونَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُصْبِحَ، وَكَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِهَا عَشْرَ حَسَنَاتٍ مُوجِبَاتٍ، وَمَحَا عَنْهُ عَشْرَ سَيِّئَاتٍ مُوبِقَاتٍ، وَكَانَتْ لَهُ بِعَدْلِ عَشْرِ رِقَابٍ مُؤْمِنَاتٍ" [أخرجه الترمذي والنسائي]، وكذلك بعد صلاة الفجر.
2-التكبير:
يُكرّر المسلم كلمة "الله أكبر" في اليوم الواحد ما يفوق الثمانين مرة في الانتقال بين حركات صلاته، و"الله أكبر" تعني: الله تعالى بصفاته وكماله وقدرته ورحمته وغضبه أكبر من كلِّ شيء في الوجود، وأكبر من الهمّ والحزن، وأكبر من الأمنيات العالقة والمعجزات المستحيلة، وعلى المسلم أن يستشعر هذا المعنى حقًّا في دعائه وصلاته، كي تناله بركة التكبير.
بالإضافة إلى تكبير المسلم بين حركات الصلاة، وتكبيره عقب الصلوات، وتكبيره قبل النوم، هناك تكبيرات مُتعلّقة بشعائر دينيّة مُعيَّنة، وما يعرف بتكبيرات العيد، والتي يختص بها وقتي عيد الفطر وعيد الأضحى، حيث يُسنّ للمسلم التكبير بصيغة: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، ويبدأ التكبير لعيد الفطر من غروب الشمس ليلة العيد، إلى خروج الإمام لصلاة العيد، أمّا في أيّام ذي الحجة، وأيام عيد الأضحى والتشريق، فإنّ التكبير المُقيَّد يكون بعد الصلوات المكتوبة من صباح يوم عرفة -التاسع من ذي الحجة-، إلى غروب شمس آخر أيّام التشريق -الثالث عشر من ذي الحجة-، أمّا التكبير المُطلق فيكون من وقت رؤية هلال شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق.
يقول شيخ الإسلام، الإمام ابن تيمية -رحمه الله- في فضل التكبير: "وجاء التكبير مكرَّرا في الأذان في أوله وفي آخره، والأذان هو الذِّكر الرفيع، وفي أثناء الصلاة وهو حال الرفع والخفض والقيام إليها"، وروى أنَّ: "التكبير يطفيء الحريق، فالتكبير شُرِع أيضًا لدفع العدو من شياطين الإنس والجن، والنَّار التي هي عدوّ لنا وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجَمْع أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة، ليُبَيَّنَ أن الله أكبر، ويستولي كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار، فيكون الدِّين كلَّه لله، ويكون العباد له مكبّرون، فيحصل لهم مقصودان؛ مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله، ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه، ولهذا شرع التكبير على الهداية والرزق والنصر".
3-التحميد:
هو الحمد أو التحميد، وهو شكر وثناء يشمل الذكر باللسان، وصدق الإقرار بفضل الله وحمده في السَّراء والضَّراء، وفي الإنفاق والصّدقة من أفعال وغيرها، والحمد هو ذكر أهل الجنّة، فقد ورد الحمد على لسان أهل الجنة في عدة مواضع من القرآن الكريم منها: "وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" [يونس:10]، وقوله أيضًا: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ" [الزمر:74].
يكون التحميد بصيغته العامة: "الحمد لله"، ويأتي أيضًا على صيغة: "الحمد لله رب العالمين"، و"ربنا ولك الحمد حمدًا طيّبًا مباركًا فيه"، و"الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا".
إنّ التحميد والتهليل والتسبيح والتكبير مرتبطُ فضلهنّ ببعض في كثيرٍ من الأحاديث، منها ما ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث سمرة بن جندب -رضي الله عنه-، أنَّه -عليه الصلاة والسلام- قال: أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللّه تَعَالَى أَرْبَعٌ، سُبْحَانَ اللّه، وَالْحَمْدُ للَّه، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَاللّه أَكْبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ" [صحيح مسلم]، وروي في صحيح مسلم أيضًا أنّ أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللّه، وَالْحَمْدُ لله، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَاللّه أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ" [صحيح مسلم]، وقد ورد فضل وسنّة الحمد على أيّ حال، أي إن كان المسلم في سرَّاء حمد الله على فضله وجزيل كرمه، وإن كان في ضرّاء حمد الله على ما قدّر له موقنًا بأنّ الرضا والتسليم بقضاء الله لن يأتي إلا بالخير، سواء أكان على المستوى البعيد في الحياة الدنيا، أم في الآخرة من جزيل الثواب والحمد والصبر على ما قدّر الله.
وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه قال: "مَنْ سَبَّحَ اللهَ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَحَمِدَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، وَكَبَّرَ اللهَ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ، فَتْلِكَ تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، وَقَالَ تَمَامَ الْمِائَةِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ غُفِرَتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ" [صحيح مسلم].
4-التسبيح:
وَتَسْبِيحُ اللَّهِ تَعَالَى تَنْزِيهٌ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَالْقُرْآنُ مَمْلُوءٌ بِالتَّسْبِيحِ، وَاخْتَصَّ بِهِ رُكْنَانِ عَظِيمَانِ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ: الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَهُمَا أَفْضَلُ هَيْئَتَيْنِ فِي الصَّلَاةِ؛ حَيْثُ الِانْحِنَاءُ لِلَّهِ تَعَالَى عُبُودِيَّةً وَتَعْظِيمًا، وَتَعْفِيرُ الْوَجْهِ وَالْجَبِينِ فِي الْأَرْضِ لِلَّهِ تَعَالَى عُبُودِيَّةً وَذُلًّا. وَلِلتَّسْبِيحِ صِيَغٌ كَثِيرَةٌ جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَحَرِيٌّ بِالْمُؤْمِنِ أَنْ يَعْرِفَهَا لِيَأْتِيَ بِهَا، فَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ مِنْ تَسْبِيحِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَمِنْ صِيَغِ التَّسْبِيحِ: سُبْحَانَ اللَّهِ، أَوْ سُبْحَانَ رَبِّي، وَهِيَ مِنَ الصِّيَغِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْقُرْآنِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الْمُؤْمِنُونَ: 91]، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الطُّورِ: 43]، وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: 93]، وَجَاءَ فِي فَضْلِهَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ؛ مِنْهَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكْسِبَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ فَسَأَلَهُ سَائِلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: كَيْفَ يَكْسِبُ أَحَدُنَا أَلْفَ حَسَنَةٍ؟ قَالَ: يُسَبِّحُ مِائَةَ تَسْبِيحَةٍ، فَيُكْتَبُ لَهُ أَلْفُ حَسَنَةٍ، أَوْ يُحَطُّ عَنْهُ أَلْفُ خَطِيئَةٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «... وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَأَنْ أَقُولَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَهِيَ مِنَ الْأَذْكَارِ الْبَعْدِيَّةِ لِلصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ، تُقَالُ ثَلَاثًا وَثَلَاثِينَ مَرَّةً.
وَمِنْ صِيَغِ التَّسْبِيحِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ، وَتُقَالُ فِي الرُّكُوعِ، وَعِنْدَ تِلَاوَةِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ [الْوَاقِعَةِ: 74]. وَسُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَتُقَالُ فِي السُّجُودِ، وَعِنْدَ قِرَاءَةِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الْأَعْلَى: 1].
وَمِنْ صِيَغِ التَّسْبِيحِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ أَنْ يَخْتِمَ حَيَاتَهُ بِالْإِكْثَارِ مِنْهَا، فَيَا لَهَا مِنْ صِيغَةٍ عَظِيمَةٍ ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا﴾ [النَّصْرِ: 3].
وَمِنْ صِيَغِ التَّسْبِيحِ: مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كَانَ يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ«، وَمَعْنَاهُ: مُسَبَّحٌ مُقَدَّسٌ، رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ.
وَمِنْ صِيَغِ التَّسْبِيحِ: مَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: «افْتَقَدْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ، فَتَحَسَّسْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ، فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِكَ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ...» رَوَاهُ مُسْلِمٌ«.