علمتني سورة

ما تحصده أجسادنا من الطاعات تحرقه ألسنتنا من الزلات.

« All Events

الغيبة والنميمة

تعريف الغيبة:

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أَتدْرُون ما الغيبة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "ذِكْرُكَ أخاك بما يكره"، قيل: إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إنْ كان فيه ما تقولُ فقد اغْتَبْتَهُ، وإنْ لم يكنْ فيه ما تقول فقد بَهَتَّهُ" (رواه أبو داود). و"بهته" أي: قلت عليه ما لم يفعل.

قال الله - تعالى -: ((ولا يغتب بعضكم بعضـًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا فكرهتموه، واتقوا الله إن الله توابٌ رحيم)) (الحجرات:12).

أي لا يتناول بعضكم بعضـًا بظهر الغيب بما يسوؤه، ثم ضرب الله تعالى للغيبة مثلًا: ((أيُحبٌّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا))، وبيانُه: أنَّ ذِكْرَكَ أخاك الغائب بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك، ((فكرهتموه)) أي: فكما كرهتم هذا الأمر فاجتنبوا ذكر إخوانكم بالسوء، وفي ذلك إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه، وهي من الكبائر.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كلُّ المسلمِ على المسلمِ حرامٌ، دَمُهُ وعِرضُهُ ومالُه" (رواه البخاري ومسلم).

قال علي بن الحسين: إياكم والغيبة؛ فإنها إدام كلاب الناس.

 

وأقبح أنواع الغيبة: غيبة المتزهدين المرائين، مثل أن يذكر عندهم إنسان فيقولون: الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام، أو يقولون: نعوذ بالله من قلة الحياء، أو نسأل الله العافية، فإنهم يجمعون بين ذم المذكور ومدح أنفسهم، وربما قال بعضهم عند ذكر إنسان: ذلك المسكين قد بلى بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه، فهو يظهر الدعاء ويخفي قصده.

 

واعلم أن المستمع للغيبة شريك فيها، ولا يتخلص من إثم سماعها إلا أن يُنكِر بلسانه، فإن خاف فبِقَلبه، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك.

 

 

تعريف النَّميمَة:

هي نقل الكلام بين الناس؛ لقصد الإفساد، وإيقاع العداوةِ والبغضاءِ بينهم.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه الإحياء (3/ 208) :

"اعلم أن اسم النَّمِيمَة إنما يطلق في الأكثر على مَن ينمُّ قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول: فلان كان يتكلَّم فيك بكذا وكذا، وليست النَّميمة مُختصة به، بل حدُّها كشفُ ما يُكره كشفُه، سواء كَرِهه المنقولُ عنه أو المنقول إليه، أو كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز أو بالإيماء، وسواء كان المنقول من الأعمال أو من الأقوال، وسواء كان عيبًا ونقصًا في المنقول عنه أو لم يكن، بل حقيقة النَّميمة إفشاء السر وهتك الستر عما يُكره كشفه، بل كل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يُكره فينبغي أن يسكت عنه، إلا ما في حكايته فائدةٌ لمسلم أو دفعٌ لمعصية؛ كما إذا رأى مَن يتناول مال غيره؛ فعليه أن يشهد به مراعاة لحق المشهود له، فأما إذا رآه يُخفي مالًا لنفسه فذكره فهو نميمة وإفشاءٌ للسر، وإن كان ما ينم به نقصًا وعيبًا في المحكي عنه؛ كان قد جمع بين الغيبة والنَّميمة.

 

علاج الغيبة و النَّمِيمَة:

فليعلم المغتاب والنمام أنه بالغيبة والنميمة متعرض لسخط الله تعالى، وأن حسناته تنتقل إلى من اغتابه، وإن لم يكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه، فمن استحضر ذلك لم يطلق لسانه بالغيبة.

وينبغي إذا عرضت له الغيبة والنميمة أن يتفكر في عيوب نفسه ويشتغل بإصلاحها ويستحي أن يعيب وهو معيب.

 

كفارة الغيبة والنَّمِيمَة:

اعلم أن المغتاب والنمام قد جنى جنايتين:

إحداهما حقُّ الله تعالى؛ إذ فعل ما نهاه عنه، فكفارة ذلك التوبة والندم.

والجناية الثانية: على عرض المخلوق، فإن كانت الغيبة أو النَّمِيمَة قد بلغت الرجل جاء إليه فاستحله وأظهر له الندم على فعله. وإن كانت الغيبة و النَّمِيمَة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له والثناء عليه بما فيه من خير أمام من اغتابه أو أمامهم أو نمّ عليه (لإصلاح قلوبهم).