إنَّ الله تعالى خلق عبادَه وكلَّفهم بغايةٍ شريفة سامية، وهي عِبادته سبحانه؛ إذ قال: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾ [الذاريات: 56 - 58].
ومن فضله سبحانه وتعالى على عباده أنْ شرَع لهم عبادات يَسيرة وخفيفة على الجوارح بأجورٍ عظيمة؛ كذِكر الله تعالى، قال سبحانه: ﴿ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 35]، وقال عليه الصلاة والسلام: "ألا أدلُّكم على خيرِ أعمالكم، وأَزكاها عند ملِيكِكم، وأرفعِها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذَّهب والفضَّة، وخير لكم من أن تلقَوا عدوَّكم فتضربوا أعناقَهم ويضربوا أعناقكم؟" قالوا: بلى يا رسولَ الله، قال: "ذِكر الله تعالى".
ومن أفضل الذِّكر وأكثره أجرًا الاستغفار؛ إذ قال سبحانه على لسان رسوله نوح عليه السلام: ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ [نوح: 10 - 12]، وقال أيضًا على لسان هود عليه السلام: ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [هود: 52]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن لَزِم الاستغفار، جعل الله له من كلِّ ضِيق مخرجًا، ومن كلِّ همٍّ فرجًا..."..
الإنسان في حاجة شديدة إلى الاستغفار، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار وهو سيد ولد آدم، قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ومع هذا يكثر من الاستغفار، ويقول: "والله إني لأستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة"، ويقول: "يا أيها الناس، توبوا إلى ربكم؛ فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة".
ومعنى "أستغفر الله"؛ أي: طلب العبد مِن ربِّه أن يمحو ذنوبَه ويستر عيوبَه، ومن أسمائه تعالى الغفور؛ أي: الذي يَتجاوز عن ذنوب عباده ويَستر عيوبَهم، أصله في اللُّغة من المِغفَر؛ أي: الساتِر الحديدي الذي يَضعه المقاتِل على رأسه.
وحتى يُقبل الاستغفار فلا بدَّ من توفُّر الشروط التالية:
أولاً: السلامة من الشِّرك والكفر: قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ﴾ [المائدة: 27]، وقال أيضًا: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 48].
ثانيًا: السلامة من كسب الحرام: قال عليه الصلاة والسلام: "إنَّ الله طيِّب لا يقبل إلاَّ طيبًا، وقد أمر المؤمنين بما أمر به المرسَلين، فقال جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ﴾ [المؤمنون: 51]، وقال جلَّ وعلا: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ﴾ [البقرة: 172]، ثمَّ ذكر الرجلَ يطيل السفرَ، أشعث أغبر، يمدُّ يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمُه حرام، ومَشرَبه حرام، وملبسُه حرام، وغُذِيَ بالحرام، فأنَّى يُستجاب له؟!".
ثالثًا: اليقين باستجابة الله: قال عليه الصلاة والسلام: "ادعوا اللهَ وأنتم موقِنون بالإجابة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يموتنَّ أحدكم إلاَّ وهو يُحسن الظنَّ بربِّه"، والإجابة إمَّا تكون بإعطاء السائل مسألتَه، أو بردِّ بلاءٍ عَنه، أو بادِّخارها له حسنات يوم القِيامة؛ كما ورد في الرِّوايات الصحيحة عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم.
رابعًا: ألاَّ يكون اعتداء في الدعاء: كسؤال الله تعالى شيئًا محرَّمًا أو مستحيلًا، دلَّت الأدلةُ أنَّه يخالِف إرادته سبحانه؛ كالذي يدعو ربَّه ألَّا يموت.
وقد جاء في الرِّوايات الصحيحة أوقات إجابة الدعاء، وهي عندما يكون العبد ساجدًا، وعند التحام الصفوف في الجِهاد، وعند سقوط المطَر، وفي السفر، وفي الثُّلث الأخير من الليل، وعند رفع الأذان، وعند ارتقاء الإمام على المنبر يوم الجُمعة، وفي آخر ساعةٍ من يوم الجمعة، وعند إفطار الصائم، وغيرها.
وقد وردت عدة صيغ للاستغفار منها:
1- قول: أسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ، أسْتَغْفِرُ اللَّهَ (3 مرات)، إذا سلم بعد صلاة الفريضة، كما كان النبي يفعل عليه الصلاة والسلام.
2- «اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي؛ فَاغْفِرْ لِي؛ فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ» (دعاء سيد الاستغفار).
3- "أسْتَغْفِرُ اللَّهَ" عدة مرات، ويمكن إضافة "من كل ذنب".
4- "ربّ اغفر لي" أو "اللهم اغفر لي"، أو إضافة "اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت".
5- "ربّ اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الغفور" أو "التواب الرحيم".
6- "اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا الله، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني؛ إنك أنت الغفور الرحيم".
7- " أسْتَغْفِرُ الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه".
8- من دعائه صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : "اللهم اغفر لي خَطيئتي وجَهلِي، وإسرافي في أمري، وما أنت أعلمُ به منِّي، اللهمَّ اغفر لي جِدِّي وهَزلي، وخطئي وعَمدي، وكلُّ ذلك عِندي، اللهمَّ اغفر لي ما قدَّمتُ وما أخَّرتُ، وما أسررتُ وما أعلنتُ، وما أنتَ أعلمُ به منِّي، أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، وأنت على كل شيء قدير"، ومن استغفاره: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني،، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت".