يسعى المسلم في حياته إلى نيل رضى الله تعالى، باستغلال الأوقات التي تُضاعف فيها الأجور؛ لزيادة الطّاعات، والمؤمن لا يكتفي بالفرائض (والواجبات) التي فرضها الله تعالى، وإنّما يزيد عليها النّوافل، وهي العبادات التي تزيد عن الفروض، وتسمى أيضًا: تطوعًا، مثل: قيام الليل، وصلاة الضحى، وصيام الأيّام البِيض؛ لحثّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-، وقد رفع الله مكانة المسلم الذي يتقرّب إليه بالنّوافل، وقد رتّب عليها أجرًا عظيمًا، وورد في الحديث القدسيّ: "وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه".
وتقسم النوافل إلى قسمين:
- أ-المطلقة: وهي التي لا تكون مقيدة بوقت، بل يقوم بها المسلم متى شاء، مثل الصدقات.
- ب-المقيّدة بوقت: مثل الصلوات الرواتب التي تسبق أو تعقب الصلوات الخمس المفروضة.
ومن النوافل:
- 1-قيام الليل:
لقد حدّد العلماء وقت قيام الليل بالزمن الممتد من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وفي هذا الوقت فقط يستطيع المرء تحقيق ثواب قيام الليل.
أما عن معنى كلمة (القيام) فإنها تشمل كل طاعة يقوم بها المرء في الوقت المذكور، سواء أكانت صلاة أو عبادة أخرى كذكر الله وقراءة القرآن والدعاء والصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام.
قال تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ الإسراء:79، وفي الحديث الشريف قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أَيُّهَا النَّاسُ أَفْشوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا باللَّيْل وَالنَّاسُ نِيامٌ، تَدخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلامٍ". رواه ابن ماجه.
- 2-صلاة الضحى:
الضحى هو ارتفاع النهار، وصلاة الضحى من النوافل التي داوم الرسول صلى الله عليه وسلم، وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: "أَوْصَانِي حَبِيبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ: بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ" رواه مسلم.
ولصلاة الضحى أسماء أخرى، منها: صلاة الإشراق، وصلاة الأوابين (كثير التوبة).
يبدأ وقت الضحى بعد حوالي خمس عشرة دقيقة من شروق الشمس، وتمتد إلى قُبيل الظهر بنصف ساعة تقريبًا، وعدد ركعاتها من اثنتين إلى اثنتي عشرة ركعة.
وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي والحاكم بإسناد صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ أوَّلَ ما يُحاسَبُ النَّاسُ به يومَ القيامة مِن أعمالهم الصلاةُ، قال: يقول ربُّنا –عز وجل– لملائكته –وهو أعلم-: اُنظُرُوا فِي صلاة عَبدِي، أَتَمَّها أم نَقَصَها؟ فإنْ كانت تامِّةً كُتبتْ له تامةً، وإن كان انْتَقَصَ منها شيئًا، قال: انظروا، هل لعبدي مِن تَطَوُّعٍ، فإنْ كان له تطوُّعٌ، قال: أتمُّوا لعبدي فريضتَهُ من تَطوُّعِهِ، ثم تُؤخَذ الأعمالُ بعد ذلك".
يقول رسولنا الكريم في جزاء من يفعل النوافل ويكثر منها: "إنَّ اللهَ تعالى قال: مَنْ عادى لي وَليًّا فقد آذنتُه بالحَرْب، ومَا تقرَّبَ إليَّ عبدي بشيءٍ أَحَبَّ إليَّ ممَّا افْتَرَضْتُهُ عليه، ولا يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّهُ، فإذا أحببتُه كنتُ سَمْعَهُ الذي يسمع به، وبصره الذي يُبْصِر به، ويَدَهُ التي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَه التي يمشي بها، ولَئِنْ سألني لأُعطِيَنَّه، ولَئِنِ استعاذني لَأُعيذَنَّهُ". رواه البخاري.
- 3-صيام الأيام البِيض:
إنّ صيام الأيّام البِيض من النّوافل التي يتقرّب بها المسّلم إلى الله تعالى، وهي أيّام معيّنة من كلّ شهر، وورد في فَضْلها عدّة أحاديث، وفيما يأتي بيان ذلك:
تعريف الأيّام البِيض:
الأيّام البِيض هي أيّام الثّالث عشر والرّابع عشر والخامس عشر من كلّ شهرٍ هجريّ، وحينئذٍ يكون القمر بدرًا، وسُمّيت بالأيّام البِيض لأنّ لياليها تكون بيضاء بسبب نور القمر حين يكتمل، وتسمّى أيضًا بالأيّام الغُرّ.
أدلّة صيام الأيّام البِيض:
وردت عدّة أحاديث من السّنة النبويّة تدلّ على فَضْل الأيّام البِيض، منها:
-روى ابن عبّاس رضي الله عنهما عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أنه "كان لا يدعُ صومَ أيَّامِ البيضِ، في سفَرٍ ولا حضرٍ".
-قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (إن كنتَ صائمًا فعَليك بالغُرِّ البِيضِ: ثَلاثَ عشرةَ، وأربعَ عشرةَ، وخمسَ عشرةَ).
-وقد أوصى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الصّحابةَ رضي الله عنهم بصيام الأيّام البِيض، فقال واصفًا صيامها: "هي صيامُ الدَّهرِ".
الحِكمة من صيام الأيّام البِيض:
سنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم الصِّيام في منتصف الشّهر الهجريّ لعدّة حِكم، منها:
-التخلّص من أمراض القلب وأدرانه؛ حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "ألا أخبرُكم بما يُذهِبُ وَحَرَ الصَّدرِ؟ قال: صومُ ثلاثةِ أيَّامٍ من كلِّ شهرٍ".
-مضاعفة الحسنات ومباركتها؛ حيث إنّ الحسنة بعشرة أمثالها، فصيام ثلاثة أيّام من كلّ شهر كصيام الدّهر.
-كسر الشّهوة وصَون الفرج؛ فأوصى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم الشّبابَ بالصّيام عند عدم القدرة على الزواج.
-المحافظة على صحّة الجسم، حيث إنّ صيام الأيّام البِيض يساعد الجسم في التخلّص من الفضلات والسّوائل.
الصِّيام المسّنون:
أوصى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بصِيام التطوّع في عدّة أوقات من السّنة، منها:
- صيام ستّة أيّام من شهر شوّال؛ حيث قال النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: "مَنْ صامَ رمضانَ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ ستًّا مِنْ شوَّالٍ، كانَ كصيامِ الدَّهْرِ".
- صيام أيّام من شهر مُحرّم؛ فقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم "أنّ أفضل الصّيام بعد شهر رمضان هو صيام شهر مُحرّم."
- صيام يوم عرفة؛ حيث ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم "أنّ صيام يوم عرفة يكفّر ذنوب سنة فائتة وسنة قادمة".
- صيام يوم عاشوراء؛ فقد ورد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم صامه، وقال: "إنّه يُكفِّر ذنوب سنة سابقة"، وقد صامه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم شُكرًا لله تعالى؛ لأنّه اليوم الذي نجّى فيه اللهُ تعالى موسى عليه السّلام من فرعون، ثمّ نوى أن يصوم في العام التالي التّاسع والعاشر من شهر مُحرّم؛ ليخالف اليهود بصيامهم، لكنّه توفّي قبل أن يُدرك ذلك.
- صيام يومَي الإثنين والخميس؛ فقد ورد عن عائشة أمّ المؤمنين أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم الإثنين والخميس؛ لأنّ الأعمال تُعرض على الله -تعالى- فيهما.
- صيام أوّل تسعة أيّام من شهر ذي الحِجّة؛ فهي من أحبّ الأيّام إلى الله تعالى؛ حيث ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: "ما مِن أيَّامٍ العملُ الصَّالحُ فيها أحبُّ إلى اللَّهِ من هذِهِ الأيَّام -يعني أيَّامَ العشرِ-، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ؟ قالَ: ولا الجِهادُ في سبيلِ اللَّهِ، إلَّا رَجلٌ خرجَ بنفسِهِ ومالِهِ، فلم يرجِعْ من ذلِكَ بشيءٍ".
- صيام بعض أيّام من شهر شعبان؛ فقد ورد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم أيّامًا كثيرةً من شهر شعبان، وروت أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها: "كانَ يصومُ حتَّى نَقولَ: قد صامَ، ويفطرُ حتَّى نقولَ قد أفطرَ، ولم يَكُن يصومُ شَهْرًا أَكْثرَ من شعبانَ، كانَ يصومُ شعبانَ إلَّا قليلًا، كانَ يصومُ شعبانَ كُلَّهُ"، ويُستحسن الصِّيام في النّصف الأوّل من شهر شعبان؛ حتّى لا يتّصل صيام شهر شعبان بصيام شهر رمضان المبارك.
مستحبّات الصّيام:
- السّحور، وهو أن يأكل المسلم الذي يريد الصّيام بعض اللقيمات التي تُعينه على صيام النّهار، ويكون السّحور قبل الفجر، ويستحبّ تأخيره قدر الإمكان.
- تعجيل الإفطار إذا أيقن المسلم الصّائم أنّ وقت الإفطار حَلّ.
- حفظ اللسان عن كثرة الكلام.
- الإفطار على تمر وماء. والدّعاء عند الإفطار.
قال تعالى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ البقرة:261.
إن من الأعمال المستحبة إلى الله تعالى صدقةٌ يجود بها المسلم على أخيه المسلم الفقير والمحتاج، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ تصدَّقَ بِعِدْلِ تمرةٍ مِن كَسبٍ طيِّبٍ -ولا يَصْعَدُ إلى اللهِ إلا الطيِّبُ- فإنَّ اللهَ يتقبَّلُها بيَمينِهِ، ثمَّ يُرَبِّيها لِصاحِبِها كما يُرَبِّي أحدُكُم فَلُوَّهُ، حتى تكون مثل الجبل". والفلو: مهر الخيل الصغير. رواه البخاري.