(من كلام الشيخ محمد متولي الشعراوي)
القضاء: هو حكم لا إرادة لي فيه..
القدر: هو ما قدرت أن يحدث كذا، فتأتي الأمور على وفق التقدير .. .
فمثلًا: إذا كتب وزير الزراعة تقريرًا عن القطن فقال: إننا نزرع عدد كذا فدَّانًا، وحالة الفدَّان كذا، ومتوسط إنتاج الفدان كذا..، فنقدَّر أن يكون إنتاج هذا العام كذا قنطارًا من القطن ..، فهو يقدر أنه عَلِمَ ..، وعلم الإنسان قد يصيب وقد يخطئ لظروف لم تكن في الحُسبان ..، لكن الحق تبارك وتعالى لا خطأ في علمه وتقديره أبدًا.. .
فحين يقدّر الله سبحانه وتعالى فلن يغيب شيء عن أمره إطلاقًا، فتأتي الأمور في الكون على وفق ما قدر الله تمامًا.. .
فالقضاء أمر لا اختيار لي فيه، كالمرض والموت..، وعندما يقدر الله أن أفعل كذا -في أمر اختياري لي- فهو لم يجبرني على فعله؛ لأني سأحاسب عليه، لكنه قدّر وعلم أزلًا أني سأختار هذا الطريق فكتب عنده –في اللوح المحفوظ– لا لِيُلْزِمَ، ولكن لعلمه ما يكون من العبد، فهو قدره .. انتهى كلام الشيخ الشعراوي رحمه الله.
وقد أوضح العلماء أنه حين يقول الله تعالى:
-﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ الأحزاب: 38.
-﴿قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا...﴾ التوبة:51.
-﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ فاطر:11.
=فمعنى ذلك وأمثاله أن ما في الوجود من شيء إلا قدره الله تعالى في الأزل (أزمنة مقدرة غير متناهية في القِدَم) وأودعه في اللوح المحفوظ.
والرسول عليه الصلاة والسلام حين يقول: "وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" رواه الترمذي.
(رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ) كناية عن تقدم كتابة المقادير كلها والفراغ منها من أمد بعيد، والحديث الشريف يعني أنه ما من شيء في هذا الوجود إلا قدره الله تعالى وعلمه، فلا يقع شيء من الإنسان أو عليه من خير أو شر إلا كما علم الله تعالى ذلك أزلًا، فهذا هو القدر الذي أُمِرنا بالإيمان به، ولا علاقة له بملاحظة الأفعال عند القيام بها، ويتأتى الخطأ في الاعتقاد من أن كل ما هو واقع في الحياة وما يقع من الناس هو واقع قدرًا لا محالة، سواء فعلوا ذلك عن اختيار أو عن عدم اختيار، مع أنه يستحيل على أحد من الخلق قاطبةً أن يطلع على علم الغيب الذي قدره الله تعالى في سابق علمه، والعبد لا يدري بأن الله تعالى قدّر له الخير أو الشر إلا بعد وقوع أحدهما له أو عليه ...
وإذا كان الله تعالى عالمًا بكل شيء في الأزل، ومقدرًا لكل ما سيجري مستقبلًا في اللوح المحفوظ، فإن ذلك لا يجوز أن يلاحظ في أمور الحياة ولا في تصرفات الناس ولا في أي عمل يقدم عليه البشر، وإنما يلاحظ في ذلك على أساس مفهوم ما أحله الله تعالى أو حرمه في شرعه ودينه، ونحن لم نؤمر إلا بذلك..، أما أن نتصوّر كل فعل -شرًّا كان أو خيرًا- على أنه مقدور لله تعالى ولا مردَّ له فإن هذا من سوء الاعتقاد... والله أعلم.