علمتني سورة

ما تحصده أجسادنا من الطاعات تحرقه ألسنتنا من الزلات.

« All Events

ما هي العبادة؟

إنّ توحيد الله عزّ وجلّ وتقديسَه من أهمِّ المَقاصد التي خُلِق من أجلها الإنسان؛ فقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان لعبادته وتوحيده، وإقامة تعاليم دينه، قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ*مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ*إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُالذاريات:56-58، حيث يبيّن الله عزّ وجلّ أنّه لا يحتاج عباده أبدًا، بل هم مَن يحتاجونه في أحوالهم جميعها، وما جعل العبادة إلّا وسيلةً ليعلم فيها المُفسِدَ من المُصلِح.

وتأكيدًا على ما سبق فقد ورد في الحديث القدسي عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فيما روى عن اللهِ تبارك وتعالى أنَّهُ قال: "يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسي وجعلتُه بينكم محرَّمًا فلا تظَّالموا، يا عبادي، كلّكم ضالٌّ إلا من هديتُه، فاستهدوني أَهْدِكم، يا عبادي، كلّكم جائعٌ إلا من أطعمتُه، فاستطعموني أُطعمكم، يا عبادي، كلّكم عارٍ إلا من كسوتُه، فاستكسوني أكْسُكُم، يا عبادي، إنّكم تُخطئون بالليلِ والنّهارِ، وأنا أغفرُ الذّنوبَ جميعًا، فاستغفروني أغفرُ لكم، يا عبادي، إنّكم لن تبلغوا ضُرِّي فتضرّوني، ولن تبلغوا نفعي فتنفَعوني، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلكم وآخركم وإِنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أتقى قلبِ رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخركم وإنْسَكم وجِنَّكم كانوا على أفجرِ قلبِ رجلٍ واحدٍ ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي، لو أنَّ أوَّلَكم وآخرَكم وإنسَكم وجِنَّكم قاموا في صعيدٍ واحدٍ، فسألوني فأعطيتُ كلّ إنسانٍ مسألتَه، ما نقص ذلك ممّا عندي إلا كما ينقصُ المِخْيَطُ إذا أُدْخِلَ البحرَ، يا عبادي، إنّما هي أعمالكم أُحصيها لكم، ثمّ أوفِّيكم إيّاها، فمن وجد خيرًا فليحمدِ اللهَ، ومن وجد غيرَ ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه" رواه البخاري.

 

معنى العِبادة:

العِبادة في اللّغة: مَصْدَرُ (عَبَدَ)، وعَبَدْتُ اللهَ أَعْبُدُهُ عِبَادَةً: بمعنى الانقِيَادُ وَالخُضُوع، ومنها العَابِدُ، وَالْجَمْعُ عُبَّادٌ وَعَبَدَةٌ، وَالعَبْدُ خِلَافُ الحُرِّ، وَهُوَ عَبْدٌ من العُبُودِيَّةِ، وجمعها عَبِيدٌ وَعِبَادٌ.

العِبادة في الاصطلاح: عرّف العلماء العبادة بأنّها اسمٌ جامع لكلّ ما يحبّه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظّاهرة، وقد عرَّفها ابن تيمية بأنّها: طاعة الله المتمثّلة بامتثال ما أمر به وأخبر به عنه الرّسل والأنبياء؛ فالعبادة لله هي الغاية المحبوبة لله سبحانه وتعالى، وهي التي خلق الخلق وأوجدهم لأجلها حيث قال: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِالذاريات:56، ولأجلها وبمضمونها أُرسِل الرّسل، وبها بلّغوا عن الله، فقد كان قول الأنبياء والرّسل جميعًا إلى أقوامهم يتلخّص في آيةٍ واحدةٍ؛ هي قول الله سبحانه وتعالى: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ الأعراف:65.

 

الفرق بين العبادَة والطَّاعَة:

لا تأتي العبادة بمعنى الطّاعة في كلّ حالٍ، بل إنّ بينهما فروقًا واختلافاتٍ حسب موضع استخدامهما؛ فالْعِبَادَة هي غَايَة الخضوع، وَلَا تُسْتَحقّ إِلَّا بغاية الإنعام؛ ولذلك فإنّه لا ينبغي أن تصدق العبادة أو أن يستحقّها غير الله سبحانه وتَعالى؛ فهو وحده المُنعِم المُتفضِّل بالإنعام، كما أنّه وحده الخالق الرّازق، وَلَا تكون العِبَادَة إِلَّا مَعَ الْمعرفَة التامّة بالمعبود والخضوع التامّ له، أمّا الطَّاعَة فهي ذلك الفِعل النّاتج عن طلب أحدٍ ممّن هو دون اللهِ في المرتبة، وحينها يُسمّى الفعل طاعةً، وتصدُق الطّاعة على الخالق كما تصدُق على المخلوق، بعكس العِبَادَة التي لا تكون إِلَّا للخالق سبحانه وتعالى، والطَّاعَة في اللُّغَة تكون بأن يتَّبِع المدعوُّ الدَّاعِيَ إِلى فعل ما دَعَاهُ إليه حتّى إن لم يقصد في ذلك التبعيّة، فقد يكون الإنسان في بعض الأحيان مُطيعًا للشَّيْطَان، لكنّه ربّما لا يقصد إطاعته، وَلكنّه فعل ما يريد دون أن يطلب منه ذلك، فأطاعه في المضمون والنّتيجة.

 

 

أنواع العبادة:

تُقسَم العبادة حسب طريقة فعلها وأدائها إلى عدّة أنواعٍ، هي:

  • العبادات القلبيّة: هي العبادات التي يكون منشؤها القلب، ولا تقوم على فعلٍ ظاهر مُعايَن، مثل: حبّ الإله سبحانه وتعالى، أو الحبّ القائم على ما يرضي الله ووفق نهج النبوّة، مثل: الحبّ في الله ولله، ومن العبادات القلبيّة كذلك: الخوف من الله، والرّجاء بأن يغفر الله لعبده المحبّ الرّاجي لرحمته، والرّغبة في نيل ثوابه، والرّهبة من عقابه، والخشوع له، والتوكُّل عليه، والإنابة إليه، قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾ الإسراء:57.
  • العبادات اللسانيّة: هي التي تقوم على النُّطق باللسان بنيَّة التقرُّب إلى الله، والحصول على الأجر والثّواب، مثل: النُّطق بالشّهادتين، والثَّناء على الله، والدُّعاء، والذّكر، وتلاوة القُرآن، والدّعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، والدعوة إلى الأخلاق الفاضلة وممارستها، والصدق ونُصح النّاس، أُمَرائِهِم وعوامِّهم، والأمر بالمعروف، والنّهي عن المنكر.
  • العبادات الشعائرية: هي التي تقوم على الأفعال الجسديّة التي تحتاج حركةً، وتنقُّلًا، وأفعالًا مُعايَنةً مُشاهَدةً، مثل: الصّلاة، والحجّ، والجهاد في سبيل الله، والتقرّب إلى الله بالذّبائح؛ كالأضاحي، والنّذور، والعقائق، وغيرها.
  • العبادات التعاملية: وتشمل الأحكام التي بيّنها الله في كتابه أو بيّن أصوله من النظم الذي يجب إتباعها بخلق رفيع في تنظيم علاقة الإنسان بربه وعلاقته بأخيه الإنسان، مثل: أحكام الزواج والطلاق، ما يتبعهما من مهر ونفقة ورضاعة ونسب وعدّة ووصية وإرث... إلى ما هنالك  مما يدخل في دائرة الأحوال الشخصية، كما تشمل أيضًا أحكام البيع والإجارة والرهن والمداينة... وما إلى ذلك مما يدخل في دائرة المعاملات المالية، وتشمل أيضًا أحكام الجنايات والجرائم كالقتل والسرقة والإفساد في الأرض والزنا والقذف... وما إلى ذلك مما يدخل في دائرة العقوبات، وتشمل أحكام الحرب والسلم وما يتبعهما من غنائم وأسرى ومعاهدات... وما إلى ذلك مما يدخل في دائرة الأحكام الدولية العامة.

 

شروط قَبول العبادة:

حتّى تكون العبادة صالحةً مقبولةً عند الله، وحتّى يستحقّ المسلمُ الأجرَ على فعل العبادة والقيام بها =فإنّه يُشترَط للعبادة شرطان رئيسان، هما:

  • 1-الإخلاص لله سبحانه وتعالى في العبادة، قال تعالى: ﴿فَاعْبُدِ الله مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ*أَلَا لِلهِ الدِّينُ الْخَالِصُ﴾ الزمر:2-3، وقال تعالى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾ البينة:5.
أن توافق العبادة شرعَ الله سبحانه وتعالى، الذي جاء به الوحي عن طريق الكتاب والسنّة المنقولة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (الصّحيح منها)، لقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ﴾ الأنعام:153، ولقول المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في الصّحيح: "مَنْ عَمِلَ عملًا ليسَ عليهِ أمرُنا فَهُوَ ردٌّ". رواه البخاري.