وهو كلام الله سبحانه وتعالى، وقد أنزل اللهُ سبحانه "القرآن الكريم" وحيًا على رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وكان "الوحي" بإرسال سيدنا جبريل عليه السلام بأمر ربنا عز وجل إلى رسول الله ليلقي عليه ويعلمه آياتِ القرآن الكريم، وقد نزل بعض القرآن الكريم على الرسول الكريم وهو في مكة المكرمة، وكانت تلك الآيات تسمّى "المكيَّة"، وكانت الآيات في هذه الفترة (13 سنة) تتعلّق بالعقيدة والتوحيد.
وبعد الهجرة كانت الآيات التي تتنزّل وتسمى الآيات "المدنيَّة"، (حيث استقر النبي صلى الله عليه وسلم بها)، وهذه الآيات تُعْنَى بالأحكام والتشريع، بعد أن استقر الأمر للرسول والمسلمين.
فالقرآن نزل على الرسول الكريم مفرَّقًا خلال ثلاثة وعشرين عامًا، وكان ينزل بإرشادات وتعاليم من الله سبحانه حسب أحوال الناس في ذلك الوقت وإلى يوم القيامة.
إن رسالة الإسلام عالميةٌ، قال الله تعالى للرسول صلى الله وعليه وسلم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ الأنبياء:107، أي لكافة الناس.
كان الرسول الكريم صلى الله وعليه وسلم ينقل هذه الآيات التي أُوحيَ بها إليه ويتلوها على أصحابه الذين كانوا يحفظونها عن ظهر قلب، ويطبِّقون ما ورد فيها من تعاليم وإرشادات، ولا يخفى أن من إعجاز القرآن أن الذي نقله نبيٌّ "أمِّيٌّ" لا يقرأ ولا يكتب، حتى لا يتقوَّل عليه الناس بأنه قد كتب القرآن وألَّفه من الكتب السماوية السابقة.
وكان الصحابة الكرام يكتبون القرآن كما كان يتلوه عليهم الرسول صلى الله وعليه وسلم، وكانوا يدوِّنوه على الرِّقاع وغيرها مما كان يُكتب عليه في ذلك الوقت.
وقبل وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام نزل سيدنا جبريل عليه السلام على الرسول الكريم وتذاكر معه القرآن مرتين، ورتّب الآيات في السُّوَر، وسمى السُّوَر كما هي عليه الآن، وبذلك يكون ترتيب هذه السور وأسماؤها "تَوقيفيًّا"، أي: من عند الله عز وجل، فلا تبديل ولا تغيير إلى يومنا هذا، وسيظل إن شاء الله إلى يوم الدين؛ لأن الله سبحانه وتعالى تكفّل بجمع وحفظ القرآن الكريم، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ الحجر:9، وبذلك يكون الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هو أول من جمع القرآن في قلوب وعقول صحابته الكرام.
وبعد وفاة الرسول صلى الله وعليه وسلم تسلَّم سيدُنا أبو بكر الصديق الخلافةَ، وقد تردَّد في جمع الرِّقاع التي كُتب فيها القرآن؛ حيث أن الرسول صلى الله وعليه وسلم لم يفعله، ولكنه بعد ذلك جمع الرِّقاع والألواح كلَّها في مكان واحد، ثم تابع سيدُنا عمر بن الخطاب من بعده، فنسخها في مصحف واحد من رِقاع الجلد، واحتفظ بنسخة كاملة من القرآن عند ابنته حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها.
ولما توفّي سيدنا عُمر رضي الله عنه قرر الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه جَمْعَ كلّ الرِّقاع والألواح التي كان الصحابة يحتفظون بها، وقارنها بالنسخة التي كانت عند السيدة حفصة رضي الله عنها، ونسخ منها ستَّ نُسخ على صُحُف، وأحرق جميع الرِّقاع والألواح قبل ذلك الوقت، واحتفظ بنسخة من هذه الصُحُف عنده في المدينة المنورة، وأرسل النسخ الأخرى إلى مكة المكرمة والشام ومصر واليمن والعراق للولاة لتكون المرجع لهم؛ ليتم العمل وفقها، بعد ذلك أخذ الخلفاء المسلمون والولاة الذين تولوا أمر الأمة الإسلامية بنسخ القرآن على صحف ومراجعتها بحرص شديد مع النسخ الأصلية، بإشراف العديد من العلماء الثقات الذين كانوا يراجعون كل آية وحرف بما يثبت عن الرسول الكريم بالتواتر، مما هو موجود في مصحف سيدنا عثمان ورسمه، وسمِّي بـ "المصحف العثماني"، أي: المكتوب على صحف في عهد سيدنا عثمان رضي الله عنه.
والجدير بالذكر أن المصحف الشريف الذي كان لسيدنا عثمان في المدينة المنورة ما زال محفوظًا إلى الآن في أحد المتاحف في تركيا.
وقد حفظ لنا الصحابة الكرام رضوان الله عنهم ــ أيضًا ــ أسباب نزول الآيات على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ويحتوي القرآن الكريم على آيات "مُحكمة"، أي: واضحة، وآيات "مُتشابهة"، أي: تحتمل التأويل –التفسير- على اختلاف الأمكنة والعصور، ومرجعها الأول والأخير هو الآيات "المُحكمة"، بحيث لا تتناقض معها، وبذلك تكون آيات القرآن كلها "مُحكمة".
وفي القرآن آيات كونية كثيرة علمية معجزة تتعلق بالكون ومخلوقات الله عز وجل لنتفكّر فيها ولنتدبَّرها على مدى العصور، فما ذُكر في القرآن الكريم فهو صالح لكل زمان ومكان ولكافة البشرية، من ذلك الآيات التي تذكر مراحل خلق الإنسان، ومنها في سورة المؤمنين: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ* ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ﴾ المؤمنين:12-16.
هذا وقد ألّف الكثير من العلماء السابقين والمعاصرين في مقاصد القرآن الكريم، واتفق معظمهم على أن المقاصد الكلية للقرآن الكريم في: *التوحيد، *النبوة، *البعث والنشور والحساب، *العدل والمساواة، وقد قسموا محتويات القرآن الكريم إلى عدّة محاور عامة:
- منها ما يتعلق بالعقيدة والإيمان والتوحيد وأسماء وصفات الله عز وجل.
- ومنها ما يتعلق بقصص الأنبياء السابقين وأقوامهم.
- ومنها ما يتعلق بالكون الدّال على خالقه، وسبب وجودنا، ونِعَم الله علينا، ومصيرنا بعد الموت.
- ومنها ما يتعلق بالتربية (الأخلاق) والتشريع والمعاملات والأحكام التي يتوجب على المسلمين العمل بها أثناء ممارسة حياتهم.
وهناك بعض الأحكام لم تُفصَّل في القرآن الكريم، وقد أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إليها، فمثلًا كيفية الصلاة وأوقاتها والدعوة لها، ومناسك الحج والعمرة، ونصاب الزكاة، وغيرها مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الأحاديث الصحيحة.
ثم إن في القرآن الكريم "غَيبيَّات"، والغيب: هو كل ما غاب عن الإنسان بحيث لا سبيل إلى مُعاينته أو الوقوف عليه أو تفسيره بسبب فارق الزمان أو المكان أو العلم.
ولا يعلم الغيب إلا اللطيف الخبير، وقد يعلّمه سبحانه لأنبيائه ورسله، أو يخبر عنه في كتبه، فلا سبيل للإنسان إلى إدراكه أو العلم به إلا بطريق الوحي الثابت في الكتاب والسنة (من أقوال وأفعال وتعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم)، وذلك كالسماوات وما فيهن، والملائكة، والجنة والنار، والشياطين والجن، وكذلك مآلات الأمور في حياة البشر... إلى ما هنالك، وهذه أمور يجب على المؤمن الإيمان بها كحقائق يقينية؛ لأن الله تعالى أخبر عنها (في القرآن أو عن طريق الرسول الكريم)، ومن ادَّعى علم الغيب من البشر يعتبر كافرًا.