(منقول بتصرّف من كتاب "نضرة النعيم")
الإحسان لغة: ضدّ الإساءة، وحسّنت الشّيء تحسينًا: زيّنته.
الإحسان اصطلاحًا:
يختلف معنى الإحسان اصطلاحًا باختلاف السّياق الّذي يرد فيه، فإذا اقترن بالإيمان والإسلام كان المراد به: الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة، وقد فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بذلك عند ما سأله جبريل: ما الإحسان؟ فقال: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك..»، أمّا إذا ورد «الإحسان» مطلقا فإنّ المراد به فعل ما هو حَسَن.
حقيقة الإحسان:
فسّر النّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم الإحسانَ حين سأله جبريل صلوات الله وسلامه عليه فقال: «هو أن تعبد اللهَ كأنّك تراه، فإن لّم تكن تراه فإنّه يراك» . أراد بالإحسان الإشارة إلى المراقبة وحسن الطّاعة؛ فإنّ من راقب اللهَ أَحْسَنَ عملَه، وهو تفسير قوله تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ)) (النحل/ 90).
ولذلك عظّم الله ثواب أهل الإحسان، فقال تعالى: ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) (البقرة/ 195)، وقال عزّ وجلّ: ((هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)) (الرحمن/ 60)، أي: ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلّا أن يُحسَن إليه في الآخرة.
درجات الإحسان:
ويأتي الإحسان على درجات متعدّدة، وأعلاه: ما كان في جانب الله تعالى، ممّا فسّره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بقوله: «الإحسان أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»، ودونَه التّقرّبُ إلى الله تعالى بالنّوافل.
وتأتي بعد ذلك مراتب أخرى للإحسان سواء في القصد والنّيّة، أو في الفعل، والإحسان في النّيّة يعدّ أمرًا مهمًّا؛ إذ لابدّ أن تنقّى تنقية سليمة وافرة، أمّا الإحسان في الفعل –أي: في المعاملة مع الخلق- فيكون فيما زاد على الواجب شرعًا، ويدخل فيه جميع الأقوال والأفعال، ومع سائر أصناف الخلائق، إلّا ما حُرِّم الإحسانُ إليه بحكم الشّرع.
ومن مراتب الإحسان ما ورد في الصّحيحين: «أنّ امرأة بغيًّا رأت كلبًا يلهث من العطش، يأكل الثّرى، فنزعت خفّها وأَدْلَتْهُ في بئر، ونَزَعَتْ فسقتْهُ؛ فغفر الله لها»، وفي الحديث الشّريف: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلَةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحَة» رواه مسلم.
فإلى حقيقة الإحسان ترجع أصول وفروع وآداب المعاشرة كلّها في المعاملة والصّحبة.
القيمة التربوية للإحسان:
قال أحد المعاصرين: الإحسان من عناصر التّربية الواعية، نأخذه من قوله تعالى: ((وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)) (البقرة/ 195)، والإحسان في صورته العليا صفة ربّ العالمين؛ لأنّ الإساءة تنتج عن الجهل والعجز والقصور وما إلى ذلك من أوصاف مستحيلة على الله تعالى. إنّه سبحانه تحدّث عن صنعه للكون الكبير، فقال: ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ)) (النمل/ 88)، وطلب إلى النّاس أن يفتّشوا عن مأخذ في هذه الصّناعة يشينها، وهيهات؛ ((ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)) (الملك/ 3- 4)، سبحانه من خالق ((أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ)) (السجدة/ 7)، والله سبحانه عند ما نشر أبناء آدم فوق الثّرى، وناط بهم رسالةَ الحياة، كلّفهم- كي يكونوا ربّانيّين- أن يحسنوا العمل، وأن يبلغوا به درجة الكمال، وإذا غلبتهم طباعهم الضّعيفة فلم يصلوا إلى هذا الشّأن كرّروا المحاولات، ولم يستريحوا إلى نقص أو قصور، وعليهم أن يجاهدوا حتّى يبلغوا بأعمالهم درجة الكمال المستطاع، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله كتب الإحسان على كلّ شيء ...».