(منقول بتصرّف من كتاب "الرحيق المختوم" للمباركفوري رحمه الله)
النسب الشريف:
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب -واسمه شيبة- بن هاشم -واسمه عمرو- بن عبد مناف -واسمه المغيرة- بن قصي -واسمه زيد- بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر -وهو الملقب بقريش، وإليه تنتسب القبيلة- بن مالك بن النضر -واسمه قيس- بن كنانة بن خزيمة بن مدركة -واسمه عامر- بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
المولد:
ولد سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم في شِعْبِ بني هاشم بمكة في صبيحة يوم الإثنين التاسع من شهر ربيع الأول، لأول عام من حادثة الفيل، ولأربعين سنة خلت من ملك كسرى أنوشروان، ويوافق ذلك العشرين أو الثاني وعشرين من شهر أبريل سنة 571 م حسبما حققه العالم الكبير محمد سليمان المنصور فوري والمحقق الفلكي محمود باشا.
السيرة الإجمالية قبل النبوة:
إن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع في نشأته خير ما في طبقات الناس من ميزات، وكان طرازًا رفيعًا من الفكر الصائب، والنظر السديد، ونال حظًّا وافرًا من حسن الفطنة وأصالة الفكرة وسداد الوسيلة والهدف، فكان لا يشرب الخمر، ولا يأكل مما ذبح على النصب، ولا يحضر للأوثان عيدًا، ولا احتفالًا...
أدوار الدعوة ومراحلها:
أدوار الدعوة:
يمكن أن نقسم عهد الدعوة المحمدية -على صاحبها الصلاة والسلام والتحية- إلى دورين يمتاز أحدهما عن الآخر تمام الامتياز، وهما:
1- الدور المكي، ثلاث عشرة سنة تقريبًا.
2- الدور المدني، عشر سنوات كاملة.
ثم يشتمل كل من الدورين على مراحل لكل منها خصائص تمتاز بها عن غيرها، ويظهر ذلك جليًّا بعد النظر الدقيق في الظروف التي مرت بها الدعوة خلال الدورين.
ويمكن تقسيم الدور المكي إلى ثلاث مراحل:
- 1-مرحلة الدعوة السرية، ثلاث سنين.
- 2-مرحلة إعلان الدعوة في أهل مكة، من بداية السنة الرابعة من النبوة إلى أواخر السنة العاشرة.
3- مرحلة الدعوة خارج مكة، من أواخر السنة العاشرة من النبوة إلى هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
هجرة النبي صلى الله عليه وسلم:
ولما تم اتخاذ القرار الغاشم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم نزل إليه جبريل بوحي ربه تبارك وتعالى، فأخبره بمؤامرة قريش، وأن الله قد أذن له في الخروج، وحدد له وقت الهجرة قائلًا: لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه.
واننتقل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ليبدأ طورٌ جديد من أطوار الدعوة.
بناء المسجد النبوي:
وأول خطوة خطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة هي إقامة المسجد النبوي. ففي المكان الذي بركت فيه ناقته أمر ببناء هذا المسجد، واشتراه من غلامين يتيمين كانا يملكانه، وساهم في بنائه بنفسه.
المؤاخاة بين المسلمين:
وكما قام النبي صلى الله عليه وسلم ببناء المسجد مركز التجمع والتآلف، قام بعمل آخر من أروع ما يأثره التاريخ، وهو عمل المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار.
ومعنى هذا الإخاء أن تذوب عصبيات الجاهلية، فلا حمية إلا للإسلام، وأن تسقط فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بمروءته وتقواه.
حجة الوداع:
تمت أعمال الدعوة، وإبلاغ الرسالة، وبناء مجتمع جديد على أساس إثبات الألوهية لله، ونفيها عن غيره، وعلى أساس رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن هاتفًا خفيًّا انبعث في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يشعره أن مقامه في الدنيا قد أوشك على النهاية، حتى إنه حين بعث معاذًا على اليمن سنة 10 هـ قال له فيما قال: «يا معاذ، إنك عسى ألا تلقاني بعد عامي هذا، ولعلك أن تمر بمسجدي هذا وقبري»، فبكى معاذ لفراق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وشاء الله أن يرى رسوله صلى الله عليه وسلم ثمارَ دعوته التي عانى في سبيلها ألوانًا من المتاعب بضعًا وعشرين عامًا، فيجتمع في أطراف مكة بأفراد قبائل العرب وممثليها، فيأخذوا منه شرائع الدين وأحكامه، ويأخذ منهم الشهادة على أنه أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة.
إلى الرفيق الأعلى..
في أوائل صفر سنة 11 هـ خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى أحد، فصلى على الشهداء كالمودع للأحياء والأموات، ثم انصرف إلى المنبر فقال: «إني فَرَطُكُم، وإني شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، أو مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها».
بداية المرض:
وفي اليوم التاسع والعشرين من شهر صفر سنة 11 هـ وكان يوم الإثنين -شهد رسولُ الله صلى الله عليه وسلم جنازةً في البقيع، فلما رجع -وهو في الطريق- أخذه صداع في رأسه، واتقدت الحرارة، حتى إنهم كانوا يجدون سورتها فوق العصابة التي تعصب بها رأسه.
وقد صلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالناس وهو مريض 11 يومًا، وجميع أيام المرض كانت 13 أو 14 يومًا.
قبل يوم:
وقبل يوم من الوفاة -يوم الأحد- أعتق النبيّ صلى الله عليه وسلم غلمانه، وتصدق بسبعة دنانير كانت عنده، ووهب للمسلمين أسلحته، وفي الليل استعارت عائشة الزيت للمصباح من جارتها، وكانت درعه صلى الله عليه وسلم مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعًا من الشعير.
آخر يوم من الحياة:
روى أنس بن مالك أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر يوم الإثنين -وأبو بكر يصلي بهم- لم يفجأهم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم، وهم في صفوف الصلاة، ثم تبسم يضحك، فنكص أبو بكر على عقبيه؛ ليصل الصف، وظن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يخرج إلى الصلاة، فقال أنس: وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأشار إليهم بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة وأرخى الستر.
ثم لم يأت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت صلاة أخرى.
الاحتضار:
وبدأ الاحتضار فأسندته عائشة إليها، وكانت تقول: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في بيتي وفي يومي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند موته؛ دخل عبد الرحمن -بن أبي بكر- وبيده السواك، وأنا مُسنِدةٌ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته ينظر إليه، وعرفت أنه يحب السواك، فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه أَنْ نَعَم، فتناولته، فاشتد عليه، وقلت: أُلَيِّنُه لك؟ فأشار برأسه أَنْ نعم، فليَّنتُه. وبين يديه ركوة فيها ماء، فجعل يُدخل يديه في الماء فيمسح بها وجهه، يقول: «لا إله إلا الله، إن للموت سكرات...».
وما عدا أن فرغ من السواك حتى رفع يده أو إصبعه، وشخص بصره نحو السقف، وتحركت شفتاه، فأصغت إليه عائشة وهو يقول: «مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، اللهم اغفر لي وارحمني، وألحقني بالرفيق الأعلى، اللهم الرفيق الأعلى»، كرر الكلمة الأخيرة ثلاثًا، ومالت يده ولحق بالرفيق الأعلى. إنا لله وإنا إليه راجعون.
وقع هذا الحادث حين اشتدت الضحى من يوم الإثنين 12 ربيع الأول سنة 11 هـ، وقد تم له صلى الله عليه وسلم ثلاث وستون سنة وزادت أربعة أيام.
الصفات والأخلاق:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز -من كمال خُلُقِه وكمال خَلْقه- بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا في حياطته وإكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه وأحبوه إلى حد الهيام، ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر.