(منقول بتصرّف عن محاضرة للدكتور محمد راتب النابلسي)
لماذا خلقنا اللهُ عز وجل؟
هذا أكبر سؤال؛ لأنه ما من إنسانٍ عاقل على وجه الأرض يعمل عملًا دون هدف، فما الهدف الكبير الذي خلقنا اللهُ من أجله؟
إذا أرسلك أبوك إلى بلد أجنبي من أجل أن تدرس، وإذا عرفت الهدف من إرساله إليك والتفت إلى الدراسة حققت الهدف من هذه البعثة فرضيت وأرضيت، وإذا أرسلك أبوك إلى بلد أجنبي من أجل الدراسة فظننت أنه أرسلك من أجل اللهو فقد شقيت وأشقيت، ومعرفة الهدف الكبير من خلق الإنسان شيء مهم جدًا.
ما الهدف من الخلق؟
الكون ينبئك أن وراء خلقه هدفًا عظيمًا، وأن الله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصارُ، ولا يُرى بالحواس، هذا الكون يجسّد قدرة الله، وعلمه، وخبرته وغناه عز وجل، هذا الكون دليل على وجود خالق عظيم له أسماء حسنى، فما يليق بجلال الله أن يتركنا دون هدف من وجودنا، فما هو الهدف؟ الهدف هو العبادة.. أن تعرفه فتطيعه، فتسعد بقربه، العبادة هي الهدف من خلق الإنسان والجن، فالإنسان مخلوق للسعادة، إذا عرفت أنك خُلقت من أجل أن يسعدك الله عز وجل =شعرت بالراحة، والتفاؤل، وبأنك مكرم، وأن الله عز وجل تفضل عليك بإيجادك.
ما الحكمة من وجود المصائب في الأرض؟
قد يقول قائل: الناس كلهم معذَّبون، فهناك مجاعات، وزلازل، وفيضانات وشح، وقهر وحروب، وبراكين، وصواعق، فما بال الناس أشقياء؟
الجواب أن السيارة لماذا صنعت؟ من أجل أن تسير، فما بال الشركة الصانعة قد زودتها بالمكابح؟ أليست هذه تتناقض مع حركتها؟ إن استعمال المكابح ضروري لسلامتها، صنعت لتسير والمكبح يوقفها ولكنه يوقفها في الوقت المناسب من أجل أن لا تدمر صاحبها، فكما أن الله سبحانه وتعالى خلقنا ليسعدنا، من أجل هذه السعادة بالذات خلق الله عز وجل المصائب لمهمة ثانية، تاه الإنسان عنها وضلَّ و تلهى بالدنيا فتأتي المصائب لتذكره بالمهمة الكبرى التي خُلق من أجلها، إذن هذا ملخص كل مصيبة تقع على وجه الأرض: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ التوبة:38-39، إما أن تنفروا وإما أن تعذبوا، وأنت إما أن تحقق الهدف الذي خُلقت من أجله وإما أن يضّيق الله عليك حبًّا بك؛ لأنه أوجدك كي يسعدك.
العبث في الكون لا يتناسب مع جلال الله وقوته:
فما قولك في هدف يليق بجلال الله عز وجل؟ هل خلقنا ليعذبنا؟ أمحتاج هو أن يعذبنا؟ إذا عذبنا ماذا يستفيد؟
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: "يَا عِبَادِي، إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي، إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ "رواه البخاري ومسلم.
وهل يليق به أن يخلقنا عبثًا بلا هدف؟ هل يليق به أن يخلق سموات وأرضين، ومجرات وكواكب، وشمسًا، وقمرًا، ونجومًا، وليلًا ونهارًا، ثم تكون حياتنا قصيرة لا تزيد عن حوالي 60-80 سنة أو أكثر أو أقّل قليلًا نصفها في الإعداد لها إلى أن يستطيع الإنسان الزواج والسكنى في بيت مستقل وتأمين حاجاته في الثلاثينات أو في الأربعينات، الآن أصبح في الستين فحصل له أزمة قلبية، أيعقل أن يكون كل هذا الكون لأجل سنوات معدودة أيقبله عاقل؟ لماذا خلقنا الله عز وجل؟ لابد من هدف يتناسب مع كماله، ولابد من هدف يتناسب مع جلاله، ولابد من هدف يتناسب مع قوته هو القوي؛ ولذلك فربنا عز وجل أجاب عن هذا السؤال في آيات كثيرة...
﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾ المؤمنون:115. تعالى الله أن يخلق الناس عبثًا دون هدف.
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ ص:26. هذا ظن الكفار وحدهم.
قال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى﴾ القيامة:36. ربنا عز وجل نفى أن يخلق السماوات والأرض إلا بالحق، وأن يخلقها عبثًا، وأن يكون بخلقها لاعبًا، وأن يخلقها سدىً، وأن يهمل الإنسان، هذا كله نفاه الله عز وجل وأثبت قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ الذاريات:56. إذن خلقنا الله للعبادة...
عَرْض الأمانة على الإنسان منذ الأزل:
ربنا عز وجل خلق الخلائق كلها دفعة واحدة في وقت واحد سماه العلماء (عالَم الأَزَل)، والله سبحانه وتعالى في هذا العالم عرض عليهم عطاءً غير محدود، ولكن هذا العطاء غير المحدود الذي لا نهاية له والأبدي السرمدي الذي لا يوصف =له ثمن، ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ الأحزاب:72، يجب أن يبذلوا من أجل أن يعطيهم عطاءً غير محدود، (وهذا البذل هو العبادة)، ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾ الليل:5-7، ﴿وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى﴾ النازعات:40-41.
من مستلزمات الأمانة:
1- تزويد الإنسان بالعقل والشهوة:
من مستلزمات الأمانة أن يكون هذا المخلوق مزوّدًا بشهوات، وأن يكون هناك كون يجسِّد أسماء الله الحسنى، وأن يكون هناك فكر يستطيع أن يستدل على الله عز وجل من خلال الكون، وأن يكون الإنسان حرًّا في اختيار ما يريد، فحرية الاختيار مع الفكر والكون و الشهوات، أربع عوامل تجعل من هذا الإنسان أكرم مخلوق على وجه الأرض.
2- لن تُقبِل على الله إلا إذا آثرتَ رضاه على شهوتك:
الله عز وجل تسعد به إذا أقبلت عليه، ولن تستطيع أن تُقبِل عليه إلا إذا كان لك ثقة أنه راضٍ عنك، وكيف يرضَى عنك؟ إذا آثرت جانبه في كل شيء، أعطاك شهوة النساء فغضضت بصرك عن امرأة لا تحل لك وارتقيت إلى الله عزّ وجل، وإذا تزوجت امرأة وفق ما شرع لك ارتقيت إلى الله عز وجل، وزودك بحب المال فإذا كسبته بطريق مشروع ارتقيت إلى الله عز وجل، وإذا تركت المال الحرام ارتقيت إلى الله عز وجل، فلولا هذه الشهوات لن تستطيع أن تقبل على الله أبدًا بترك ما حرّم الله عليك وأخذ ما أحل لك.. فبالتَّرْك والأخذ ترقى.
إن الله عز وجل غنيٌّ عنّا، ولكن بعثنا إلى الدنيا وأعطانا المال وقال: هل تستطيع أن تنفق المال من أجلي؟ وسأزودك بشهوات.. هل تستطيع أن تغض بصرك من أجلي؟ وهل تختار هذه المرأة الصالحة ذات الجمال المتوسط على امرأة جميلة جدًّا ولكنها فاسقة.. أيهما تختار؟ وهل تختار هذا الدخل المشروع على دخل كبير من طريق غير مشروع؟
كيف تَسعَدُ وتُقبِل عليه؟
الله جاء بك إلى الدنيا وزودك بالشهوات وقال: أقرضني من مالِك، وساعد أخاك، واضبط شهواتك من أجلي، وابذل في سبيلي... إذا فعلت واستقمت وكنت ورعًا تشعر أنه راضٍ عنك، بهذا الشعور تقبل عليه، فإذا أقبلت عليه سعدت إلى الأبد في قربه، هذا هو الهدف من مجيئك إلى الدنيا، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا﴾ الكهف:110، لذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يدعو ويقول:" اللهم إنّا نسألك مُوجِباتِ رَحمتِك، وعزائم مغفرتك" رواه الترمذي.
أنت في الدنيا من أجل البذل: ﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ العصر:1-3.
زواجك لله، وإنجاب الأولاد وعملك وخدمتك و نومك وأن تجلس مع أولادك وأن تؤنس زوجتك كله لله، أنت جئت للدنيا من أجل أن تفعل شيئًا يرضى الله به عنك، ومن أجل أن تقبل عليه في الدار الآخرة بعمل صالح يصلح للعرض عليه (هذه هي العبادة).
كيف تتعرف على الله؟
كيف تعرفه؟ بالتفكُّر في الكون، فإذا فكرت في نفسك، وفي جسمك، وفكرت في طعامك، وشرابك، وثيابك، وزوجتك، وأولادك، وفكرت في الجبل والشمس والقمر... =فلابد من أن تعرف الله عز وجل، إذا عرفته عرفت عظمته، وإذا عرفت عظمته تولد في نفسك خشيةٌ منه، وهذه الخشية تحملك على أن تستقيم على أمره، فإذا استقمت على أمره وأقبلت عليه سعدت بهذا القرب وعملت الصالحات لمزيد من هذا القرب.
ينبغي على الإنسان أن لا ينسى الهدف الذي خلق من أجله:
الإنسان أُرسِل إلى الدنيا لمهمة محددة، فإذا عرفها ونفَّذها سعد في الدنيا والآخرة، وإذا تغافل عنها أو جهلها أو عمل عملًا يتناقض معها خسر وندم، قال تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا﴾ الفرقان:27-29.
أنت ممَّن قبلت حمل الأمانة، وقلت: أنا لها يا رب، جاء بك إلى الدنيا من أجل هدف واحد، أن تؤهل نفسك لهذه السعادة الأبدية، فواحد منا يتلهى بالمال والآخر بمشكلات الحياة، وهذا الآخر لتحقيق أهداف أرضية محدودة، وهذا تلهى بالسخف، وهذا يقضي حياته بالخصومات وبأشياء لا قيمة لها قال الله تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾ الليل:1-4.
يوجد سعي واحد صحيح، وهو أن يكون سعيكم لمعرفة الله عز وجل، فالمؤمن حينما يعرف مهمته في الدنيا وهو في مستواها وهو في طريقها يسعد سعادة الدنيا كلها؛ فلا ترضيه إذا أقبلتْ، ولا تسخطه إذا أدبرت.
الموت بداية لحياة جديدة:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَعْضِ جَسَدِي فَقَالَ: "يَا عَبْدَ اللَّهِ، كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ، وَاعْدُدْ نَفْسَكَ فِي الْمَوْتَى" رواه البخاري.
الموت ليس نهاية، وهنا تكمُن الخطورة؛ الموت بداية الحياة الأبدية، عندئذ يقول الإنسان: ﴿يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾ الفجر:24.
إذن، الله خلقك ليسعدك أعلى سعادة: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ الإسراء:70.
المؤمنُ الذي عرف اللهَ لا يُضيِّع آخرته بدنياه:
إن المؤمن ينتقل من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة كما ينتقل الطفل من ضيق الرحم إلى سعة الدنيا، قال تعالى: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ﴾ يس:26-27.
يقول الناس: إن هذا المسكين مات، والواقع أن هذا الميت إن كان مؤمنًا فقد حقق الهدف، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَّ عَلَيْهِ بِجَنَازَةٍ فَقَالَ: "مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ"، قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ فَقَالَ: "الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلادُ" رواه البخاري ومسلم.
الخلاصة:
خلقنا اللهُ لنسعد، ونحن الآن في مهمة، فإذا كنا معذَّبين فمعنى ذلك أننا قد بعدنا عن الهدف الذي خلقنا اللهُ من أجله، هذا هو التفكير الدقيق والبسيط والواضح، فمن وجد خيرًا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومَنَّ إلا نفسَه، فإذا كنت مسرورًا فإنك على الطريق الصحيح، وإن كنت غير مسرور فمعنى ذلك أنك ابتعدت عن الهدف، فربنا عز وجل برحمته وحرصه سخّرَ لك شيئًا يجذب نظرك، فالمصائب والمشاكل كلها هدفها أن تعود إلى جادة الصواب، الضلال بيِّنٌ والهدى بيِّنٌ، وإذا عرفت لماذا خُلقت هانَ عليك كل شيء.