إذا وجدتَ كلمة تنتهي بألف قائمة في آية، ثم وجدتها تنتهي بألف على صورة الياء بلا نقط في آية أخرى =فاعلم أن ثَمة اختلافًا طفيفًا في المعنى بين الكلمتين، ومن هذه الكلمات ( رءا، رأى )، ( طغا، طغى )، ( لدا، لدى ).
ولنبدأ بشرح الفرق بين ( رءا ) و ( رأى ):
وردت لفظة ( رءا ) بهذا الرسم 11 مرة في القرآن الكريم في مثل:
- ( فلما جن عليه اليل رءا كوكبا.. ) الأنعام: 76.
- ( فلما رءا أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة.. ) هود: 70.
- ( فلما رءا قميصه قُدّ من دبر قال إنه من كيدكنّ.. ) يوسف: 28.
- ( ورءا المجرمون النار فظنوا أنهم مواقعوها.. ) الكهف: 53.
ووردت لفظة ( رأى ) بهذا الرسم في موضعين اثنين لا غير، هما:
- ( ما كذب الفؤاد ما رأى ) النجم: 11.
- ( لقد رأى من ءايت ربه الكبرى ) النجم: 18.
وبملاحظة الآيات التي وردت فيها ( رءا ) نجدها جميعًا تعني أن الرؤية تمت بواسطة العين، ولا فرق فيها بين الرؤية في الدنيا أو الرؤية في الآخرة؛ فكلاهما تم بواسطة العين، ولعل في رسم اللفظة بالألف القائمة تعبيرًا عن مسافة مكانية بين العين وبين الشيء المرئي، بمعنى وجود مسافة يمكن قياسها؛ لأنها مسافة مادية.
أما الآيتان اللتان وردت فيهما ( رأى ) في سورة النجم فتشيران إلى أن الرؤية تمت بواسطة الفؤاد لا العين، أي: إنها رؤية عقلية وليست انعكاس ضوء على عدسة العين كما يرى الناسُ الأشياءَ بعيونهم، ربما لأن الأشياء المرئية فيها لا تصلح معها الرؤية بالعين، بل كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، حيث إن الآية تقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى ) بمعنى أن الفؤاد هو الذي رأى وصدّق الرؤية وليست العين.
من ذلك نفهم أن ( رءا ) رسمت للتعبير عن الرؤية بالعين، أما رأى فرسمت للتعبير عن الرؤية بالفؤاد.
الفرق بين ( طغا ) و ( طغى (
الطغيان في اللغة يعني تجاوز الحدِّ في أي أمر، وقد وردت اللفظة ( طغى ) في صيغة الماضي المجرَّد خمس مرات في القرآن الكريم في مثل:
- ( اذهب إلى فرعون إنه طغى ) طه: 24
- ( فأما من طغى، وءاثر الحيوة الدنيا، فإن الجحيم هي المأوى ) النازعات: 37 – 39
- ( ما زاغ البصر وما طغى ) النجم: 17
ورسمت بالألف القائمة ( طغا ) في موضع واحد فقط هو: ( إنا لما طغا الماء حملنكم في الجارية ) الحاقة: 11.
ونلاحظ أن الطغيان في ( طغى ) بالألف التي على صورة الياء بلا نقط =هو طغيان معنوي، أي: إنه تجاوز للحد في أمور معنوية، فطغيان فرعون هو في استكباره واستضعافه طائفةً من الناس وقَتْلِ أبنائهم واستحياء نسائهم، فضلًا عن ادعائه الألوهية، وطغيان البصر هو تجاوزه الحدَّ في ما هو مسموح له أن يرى، والطغيانُ وتجاوزُ حدودِ الله تعالى بتفضيل الدنيا وملذَّاتها على الآخرة =يكون مصيرَ صاحبه الجحيمُ. إذًا فالطغيان في هذه الحالات هو سلوك إنساني مذموم فيه تجاوز للحد في الأمور المعنوية.
وأما الموضع الوحيد الذي وردت فيه لفظة ( طغا ) بالألف القائمة ( إنا لما طغا الماء حملنكم في الجارية ) فنجده يتحدث عن طغيان مادي غير مذموم، ويمكن قياس مسافته، حيث تجاوز ارتفاع الماء على الأرض الحدّ الذي تعود عليه الناس، فيمُنّ الله تعالى علينا أنْ حَمَلَنا – ونحن في ظهور أسلافنا– في سفينة نوح.
وإذًا فإن ( طغى ) بالألف المقصورة مختصة بالطغيان المعنوي المذموم، بينما ( طغا ) بالألف القائمة تفيد معنى الطغيان المادي غير المذموم.
الفرق بين ( لدا ) و ( لدى (
لعله قد اتضح لنا مما سبق -من الفرق بين ( رأى، رءا ) و ( طغى، طغا )- أن مثل هذه الكلمات حين ترسم بالألف القائمة فإنها تحمل معنى المسافة المكانية، فكلمة ( رءا ) تحمل معنى المسافة بين الرائي والمرئي لأنها رؤية عين، في حين أن ( رأى ) لا تحمل معنى هذه المسافة حيث الرؤية لا تكون بالعين بل بالفؤاد، وكذلك كلمة ( طغا ) حين استخدمت للتعبير عن ارتفاع منسوب المياه فإن عمق الماء يمكن قياسه لأنه عبارة عن مسافة بين سطح الماء والقعر، في حين أن ( طغى ) لا تحمل تلك المسافة لأنها تحمل مفهومًا معنويًا غير مادي.
كذلك هو الفرق بين رسم كلمة ( لدى ) ورسم كلمة ( لدا )، فقد ورد كلا الرسمين مرة واحدة في القرآن الكريم، الأولى في قوله تعالى: )وأنذرهم يوم الأزفة إذ القلوب لدى الحناجر كظمين ) غافر: 18، والأخرى في قوله تعالى: ( وألفيا سيدها لدا الباب قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ) يوسف: 25، فالأولى رسمت ( القلوب لدى الحناجر ) بالألف المقصورة على صورة الياء؛ لأنها معنوية ولا تعبر عن مسافة مكانية ذات بعد حقيقي، أما الأخرى ( لدا الباب ) فرسمت بالألف القائمة لتعبر عن مسافة مادية ذات بعد مكاني حقيقي.
والله تعالى أعلى وأعلم.