علمتني سورة

لا أحد يستطيع أن يغلق باباً فتحه الله،
ومن أشرقت بدايته أشرقت نهايته.

« All Events

أبناء المُلتزِمين وتوريث الالتزام.. آباء تهوى، وأبناء تأبى

المؤلف: عبدالرحمن ضاحي.

نضع بين أيديكم ملخصًا لهذا الكتاب، وهو (كلما طرق هذا الباب مع بعض الأفراد من التيار الإسلامي تجده متألمًا متوجعًا منه، كما تجد الشكوى منه متكررة؛ فيبدو أننا نؤتى من قِبله ونحن لا نشعر).

 

وبهذا حاول الكاتب وضع يده على مكمن الداء الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب.

(إنه داء «أبناء الملتزمين» الذين ظن البعض يومًا أنهم سيكونون إضافة للصحوة الإسلامية، ولكن وللأسف صاروا عبئًا ثقيلًا، وصاروا علامة تعجُّب تربوية كبيرة).

ويزيد في توصيف الداء قائلًا:

(ينشغل أحدُنا بتربية الأفراد في المساجد ودعوة الناس، ولا يدري بالجرح الغائر في بيته، والوباء الذي بدأ يحل على أغلب بيوت التيار الإسلامي).

وفي هذا الكتاب الموسوم بـ «أبناء الملتزمين.. توريث الالتزام.. آباء تهوى وأبناء تأبى»، والذي يقع في 180 صفحة من القطع المتوسط =يحاول الكاتب وضع علاج لهذا الداء من خلال التركيز على 11 خللًا تربويًّا تؤدي إليه، مُسقِطًا ذلك على واقع أُسَرِ بعض الملتزمين دينيًّا، في محاولة للبحث عن مَكْمَن الداء الذي قد يكون موجودًا من خلال مشاهداته للمجتمع.

 

الخلل الأول: الاختلال الأسري

وهو من أهم أسباب فساد الأبناء؛ حيث إن تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الأبوين.

وقد ذكر الكاتب أن هذا الخلل ينشأ إما من عوامل بيئية، مثل عدم اتفاق الأبوين، أو عدم التزام أحدهما دينيًّا، أو من عوامل وراثية جينية، ملخِّصًا الحل فيما أكده الشرع الحنيف من حسن اختيار الزوجة في البداية للمقبلين على الزواج، ومحاولة الاتفاق على خطوط مشتركة في التربية للمتزوجين.

 

الخلل الثاني: اختلال النية

وهي قضية خطيرة ربما يغفل عنها الكثيرون؛ بدءًا من اختلالها في الإنجاب، مرورًا بالتربية، مؤكدًا أن إخلاص النوايا في الإنجاب من أسباب صلاح الذرية، مستشهدًا في ذلك بقصة امرأة عمران، ونذرها ما في بطنها لله تعالى، وتَقبُّل الله منها ذلك بقبول حسن وإنباتها نباتًا حسنًا، مذكرًا بأهمية تحديد النية وضبطها بميزان الشرع منذ البداية؛ فما كان لله دام واتصل.

 

 

 

الخلل الثالث: عدم الالتزام بهديه صلى الله عليه وسلم

حيث يؤكد أهمية التزام السُّنة والاحتماء بالأذكار من تأثير الشياطين وغيرها، وأخطار إهمالها؛ حيث علَّمنا النبي صلى الله عليه وسلم آدابًا وأحكامًا لحفظ الذرية من الشيطان، بدءًا من عملية الجماع، ثم استقبال المولود.. إلخ.

 

الخلل الرابع: الأمية التربوية المنتشرة في مجتمعنا

فالكثير من الأسَر بضاعتهم التربوية مُزْجاة؛ فهُم يعتمدون على الخبرات الموروثة الخاطئة والتجريب في تربية الأبناء، بينما التربية تطورت وصارت علمًا لا بد من دراسته ليحمل الأبوان الأمانة بطريقة صحيحة، فليس كل من أنجب قد أصبح مُربِّيًا؛ فالتربية فَنٌّ له قواعده وله أصوله، ويجب على الوالدين تعلُّمه من قبل الزواج، ويؤكد أن هناك فرقًا بين الرعاية والتربية؛ فالرعاية هي توفير المأكل والملبس والمشرب، أما التربية فهي تعديل السلوك؛ فالذي يوفر المأكل والملبس لا فرق بينه وبين راعي الغنم.

 

الخلل الخامس: إهمال التربية الإيمانية المبكرة

ويقصد بها عدم غرس العقيدة النقية الصحيحة في قلب الطفل، وعدم إرساء معاني المراقبة والخوف من الله في السن المبكرة؛ لتكون له مناعة ضد الانحرافات.

 

ويؤكد الكاتب أهمية «الغرس المبكر»؛ فلا بد أن تكون التربية الإيمانية مبكرة؛ حتى نضع اللبنة في مكانها الصحيح، ونضع لهم مناعة إيمانية تبقى معهم أبد الدهر، وختم ببرنامج عملي للتربية المبكرة مكونًا من 7 نقاط يشمل الجوانب العقدية والتعبدية والأخلاقية.

 

الخلل السادس: إهمال التربية النفسية

يؤكد الكاتب أهمية التربية النفسية والعاطفية للطفل؛ باعتبارها من الأمور أهمية وحساسية في حياته، والهدف منها تكوين شخصيته وتكاملها واتزانها؛ حتى إذا بلغ سن التكليف قام بالواجبات على أكمل وجه وأنبل معنى.

وقد وضع لهذا الخلل علاجًا من خلال أربعة محاور، هي: التشجيع، الخلافات الزوجية، الإشباع العاطفي، الإقناع، مقترحًا مجموعة من الوسائل الإجرائية في كل محور، مشفوعة بأقوال نبوية مباركة، وآراء أهل التربية المتخصصين.

 

الخلل السابع: غياب الحوار

فمن مظاهر الخلل في تربية الأولاد أن تختصر العلاقة معهم على الأمر والنهي والكلام العابر السريع؛ حتى صار لسان حال بعض الأولاد: "لا أحد يسمعني.. لا أحد يفهمني.. إن أبي في وادٍ.. وأنا في وادٍ آخر".

وقد أكد الكاتب بعض فوائد الحوار؛ مثل هدم الحواجز التي تمنع الأبناء من المصارحة، وإنقاذ الأبناء من خطر الصحبة السيئة، واكتشاف المشكلات المحتملة في وقت مبكر، وإشعار الأبناء محبة الآباء لهم، وتغيير القناعات الفكرية لدى الابن، وزيادة الثقة بالنفس.

وحتى يكون الحوار بناء ومثمرًا وضع الكاتب عددًا من الإرشادات والنصائح التي تساعد على ذلك وتسهله.

 

الخلل الثامن: القسوة

من مظاهر الخلل التربوي عند بعض الملتزمين القسوة المفرطة في التربية، وإجبار أولاده على فعل الطاعات، وضربهم على أي خطأ صغير، وهو ما يترك انطباعًا سيئًا وصورة ذهنية سلبية عن الالتزام في أذهان هؤلاء الأطفال حينما يشبون عن الطوق.

وفي هذا السياق قدَّم الكاتب عددًا من النصائح العلاجية لأولياء الأمور هؤلاء، مثل: الرحمة هي الأصل، أضرار القسوة، كل ولد خطَّاء، وقد أكد الفرق بين العقاب من أجل تعديل السلوك، والقسوة المهينة والمشنعة، مسترشدًا بهدي خير العباد صلى الله عليه وسلم، مقدمًا بعض النصائح والتوجيهات المفيدة في هذا الشأن.

 

الخلل التاسع: غياب القدوة

وهو من الأسباب المهمة في اعوجاج أولاد الملتزمين – حسب الكاتب -؛ فالولد لا يرى إلا قميصًا ولحية محفوفين بكسل في الطاعات وغرق في جمع الدنيا؛ يرى أبًا لا يعطي للدين إلا الفتات من وقته، يرى أمًّا أخفت وجهها عن الناس وما أخفت كذبها وغيبتها، يرى تناقضًا في الأقوال والأفعال من والديه سلبه الثقة فيهما، إلا من رحم الله تعالى، مؤكدًا أهمية القدوة سواء في الأب أو المربي، معددًا مظاهر ذلك في كلٍّ منهما.

 

الخلل العاشر: البيئة المحيطة

حيث إن الطفل يتنازعه أكثر من مصدر للتربية: البيت، المدرسة، الشارع.. إلخ، وكثير من الآباء إما أن يعزل أبناءه عن الناس والأقارب، وإما أن يقف متفرجًا على ولده وهو يستقي من هنا وهناك.

والحلُّ الأمثل لهذا الخلل – في رأي الكاتب - هو تربية البيت المسلم والشارع المسلم والمدرسة المسلمة.. إلخ..

ولأن هذا غير متوافر وغير ممكن الآن في ظل التناقضات التي يمور بها المجتمع =فإن الكاتب يضع ثلاثة محاور للحل، هي:

  • الحماية الداخلية من خلال التربية الإيمانية.
  • والرقابة، وهي تحتاج مجهودًا كبيرًا من الآباء في هذا العصر المليء بالفتن والمغريات، وسهولة ارتكاب المعاصي، وما يصاحبه من اقتلاع للثوابت والقيم.
  • أما المحور الثالث للحل فهو «استبدال الذي هو خير بالذي هو أدنى»، قاصدًا به استبدال بيئة المسجد ومربي المسجد بالذي هو أدنى من تأثير وسائل الإعلام وأصدقاء السوء.. إلخ، فبيئة المسجد النظيفة الطاهرة بمثابة حماية للطفل وبديل عن المؤثرات الأخرى السلبية.

 

الخلل الحادي عشر والأخير:

وفسر ذلك بظاهر الوهن في صفوف الملتزمين وحبِّ الدنيا، وعدد من مظاهرها، «فرأينا من يخاف على ولده من الاستقامة على شرع الله خشية الأذى المادي أو المعنوي، وآخر يؤثر شهادة فانية أو وظيفة يحتفظ بها لولده، ويضحي بما هو نفيس، وها هي أخرى لا توقظ ولدها لصلاة الفجر من أجل أن يذاكر..»، داعيًا في الوقت ذاته إلى ضرورة امتلاك أسباب القوة وتعمير الأرض، لكن حسب ضوابط الشرع، مؤكدًا ضرورة تكامل جوانب التربية بين الإيمانية والخلقية والجنسية، ولم يفُته في هذا السياق التعريج على مرحلة المراهقة وخصائصها وكيفية التعامل معها.

 

وختم الكاتب بوصية للملتزمين بضرورة خلع عباءة الجهل واستبدال عباءة العلم بها، وترك الخبرات العجاف المبنية على الخبرات الخاطئة والمعلومات المتردية، والذهاب إلى الخبرات السمان القائمة على العلم والوعي والخبرة الصحيحة، مؤكدًا أننا بإهمالنا لقضية التربية نكون قدمنا لأعداء الأمة صفقة رابحة.